السبت، 8 يناير 2011

مـــآثر عمـــر بن الخطـــاب عند أهــل السنــــة

      بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسننا وسيئات أعمالنا ، من
يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا
تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .
إن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ،
وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
أما بعد .
فقد كنت يوماً في حديث مع أخي عبدالفتاح حول إيمان الصحابة رضي الله عنهم
برسول الله صلى الله عليه وسلم وحبهم إياه وبالأخص صاحبه الصديق " ثاني اثنين إذ
هما في الغار " وصاحبه الفاروق الذي " ما طلعت الشمس على خير منه " الخ ...
فدخل علينا صديق لنا نحبه ويحبنا ولكنه لا يشاركنا في اتجاهنا الإسلامي وهمنا في
الدعوة إلى إقامة الحياة على نظامه ، فدخل معنا في الحديث وبدأ يوجه انتقاداته اللاذعة
لأفكارنا ويخصني بأسئلته الدقيقة المحرجة !
وأعترف أنني في ذلك الوقت لم أملك الجواب على كثيرٍ من أسئلته لأنه كان تخصصه
في التاريخ ، وكانت معلوماتي في التاريخ والحديث قليلة ، وقد أحرجني عندما خاطبني
قائلاً :
- أنت تدعو إلى الإسلام ... أنا معك ، لكن بشرط أن تميز لي الإسلام الذي جاء به
النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن الإسلام الذي جاء به الصحابة .
فقلت له مستنكراً : إنه إسلام واحدٌ  لا اثنين !
قال : نعم هما في رأسك شيء واحد ، ولكن الواقع والجغرافيا والتاريخ غير ما في
رأسك !
ثم تابع إلقاء محاضرته علينا ليثبت لنا أن نساء النبي وخلفاءه أدخلوا أصابعهم في
الإسلام وأضافوا إليه وحذفوا منه ! وأن الإسلام الذي ورثناه جيلاً عن جيلٍ هو الذي
يحمل بصمات هؤلاء !! وأنه ضاعت فيما بينها بصمات النبي وتواقيعه في أكثر الأمور
حتى في العقائد والشريعة !!
لقد رفضت أنا وعبد الفتاح محاضرة صديقنا أستاذ التاريخ ، وانتهت الجلسة ، ولكن
بقيت بعض كلماته ترن في أذني وأذن عبد الفتاح عندما قال لنا :
ـ أرجوكم اقرؤوا ... أرجوكم طالعوا ...
أنا حاضر لأن أكون معكم في إسلام النبي وحده ولكنه مع الأسف مخلوط بإسلام عمر
بن الخطاب وابنته حفصة ، وإسلام أبي بكر بن أبي قحافة وابنته عائشة ! ومن الصعب
عليكم وعلى خمسين من أمثالكم فك الإشتباك بين الإسلامين !!
وعندما ثرنا في وجهه وقلنا له : إن أفكارك هذه معادية للإسلام ونحن ندينها ونرفضها
! أجابنا بهدوء يشبه هدوء المؤمنين ومنطق يشبه منطق العلماء :
ـ ذلك من حقكم .. ورأيكم عندي محترم  !  ولكن ثقوا أن السيدة عائشة تقول :
عمر أفضل من محمد !! وأبي أفضل من عمر . وثقوا أن عمر يقول : أنا أفضل من
محمد !! ومحمد كان يقع في أخطاء قاتلة أنا انقذته منها ! ويقول : وكثيراً ما كنت
أختلف معه فينزل الوحي مؤيداً لمواقفي !!
أبوبكر وعمر في حياة النبي ما احترموه ولا أطاعوه حتى نزلت فيهما سورة الحجرات!!
وحفصة وعائشة كانتا تدبران عليه المؤامرات حتى نزلت فيها سورة التحريم !!
يا ممدوح : الإسلام الذي جاء به النبي أنا حاضر أن أعطيه كل شيء ، أما الإسلام
الذي قدمته هاتان العائلتان فأنا لست حاضر لأن أخطو له خطوة ولا أعطيه في سبيله
مليم واحد !!
ومضت مناقشتنا الحادة مع ذلك الصديق ، ولكن بقيت كلماته تفعل فعلها في نفسي
ونفس عبد الفتاح ، فقررنا أن نبحث ادعاءاته عن سورة الحجرات وسورة التحريم ...
وقد شجعتنا على ذلك أفكار الشهيد سيد قطب وتأكيداته على أن الإسلام أهم من
الأشخاص مهما كانت مكانتهم في تاريخ الإسلام .. ومهما كانت تصوراتنا التي نشأنا
عليها عنهم حبيبة إلينا وعزيزة على قلوبنا !! فالإسلام قائم بالله رب العالمين وبنبيه
سيد الأنبياء والمرسلين .. وهو باقٍ بهما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. ولا
يضره أن نكتشف فساد الحكام ولا تزوير الرواة ولا ضلال المؤلفين ... ولا حتى
انحراف الصحابة .. الإسلام كان قبل الصحابة ويبقى إذا اكتشفنا خطأهم أو
انحرافهم!!
      قال رحمه الله في كتابه القيم " فقه الدعوة " :
      " إن منهج الله ثابت ، وقيمه وموازينه ثابتة ، والبشر يبعدون
      أو يقربون من هذا المنهج ، ويخطئون ويصيبون في قواعد
      التصور وقواعد السلوك ، ولكن ليس شيء من أخطائهم
      محسوباً على المنهج ، ولا مغيراً لقيمه وموازينه الثابتة .
      وحين يخطئ البشر في التصور والسلوك ، فإنه يصفهم بالخطأ ،
      وحين ينحرفون عنه فإنه يصفهم بالإنحراف ، ولا يتغاضى عن
      خطئهم وانحرافهم ـ مهما تكن منازلهم وأقدارهم ـ ولا ينحرف
      هو ليجاري انحرافهم !
      ونتعلم نحن من هذا ، أن تبرئة الأشخاص لا تساوي تشويه
      المنهج  !
      وأنه من الخير للأمة المسلمة أن تبقي مبادئ منهجها سليمة
      ناصعة قاطعة ، وأن يوصف المخطئون والمنحرفون عنها
      بالوصف الذي يستحقونه ـ أياً كانوا ـ وألا تبرر أخطاؤهم
      وانحرافاتهم أبداً بتحريف المنهج ، وتبديل قيمه وموازينه ..
      فهذا التحريف والتبديل أخطر على الإسلام من وصف كبار
      الشخصيات المسلمة بالخطأ أو الانحراف ... فالمنهج أكبر
      وأبقى من الأشخاص . الواقع التاريخي للاسلام ليس هو كل
      فعل وكل وضع صنعه المسلمون في تاريخهم . وإنما هو كل فعل
      وكل وضع صنعوه موافقاً تمام الموافقة للمنهج ومبادئة وقيمه
      الثابتة ... وإلا فهو خطأ أو انحراف لا يحسب على الإسلام ،
      وعلى تاريخ الإسلام ، إنما يحسب على أصحابه وحدهم ،
      ويوصف أصحابه بالوصف الذي يستحقونه ! من خطأ أو
      انحراف أو خروج على الاسلام "
وبدأت رحلتنا .. وبدأت معها المفاجئات والهزات !! لقد وجدت نفسي في مرحلة من
القراءة والتفتيش أني أمام كابوس ... إما أن أختار عمر بن الخطاب وإما النبي صلى
الله عليه وسلم ! فقلت بصوت عال : يار ب يا عليم .. أنا أريد الإيمان برسولك وما
أنزلت عليه ، فاهدني إلى رسولك وما أنزلت على رسولك .... لا أريد شيئاً سوى
ذلك !!
وكانت رحلة طويلة ومتعبة ، قرأنا فيها وناقشنا كثيراً كثيراً ... وخلال الطريق انضم
إلينا أصدقاء ، وتركنا آخرون ..! وكان الله في عوننا وهدايتنا ... حتى استقرت
سفينتنا في شاطئ النجاة ، شاطئ النبي وأهل بيته الطيبين الطاهرين المكرمين الذين نزل
الوحي بطهارتهم من كل رجس ودنس ، والذين أوصى النبي أن نتمسك بالقرآن وبهم
، ولم يوص بأحد غيرهم ! والذين أمرنا ربنا أن نصلي في صلاتنا على رسوله وعليهم ،
ونهانا أن نصلي على غيرهم !!

وجبرئيل
ينزل اللهم على صل وسلم على سيدنا وحبيبنا وشفيعنا سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد
الله ، وعلى آله الذين أمرتنا بطاعتهم ومحبتهم فقلت قل " لا أسألكم عليه أجرا إلا
المودة في القربى " وأمرنا رسولك بطاعتهم ومحبتهم فقال " إني تارك فيكم الثقلين
كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما " !! فلم تطع الأمة نبيها
فيهم ... ومنعته عن كتابة وصيته لهم ... وتقاسمت سلطان نبيها وهو على فراش المرض
عليه ... وأرهبت أهل بيته ، ثم قتلتهم وطاردتهم وشردتهم ، وحكمت
غيرهم في رقابها ورقابهم ... فجعل الله بأسها بينها ... . حتى ضعفت وانهارت
وتسلط عليها أعداؤها كما نشاهد في عصرنا ... وقد وعد الله أمة نبيه أن ينقذها من
ضلالها في الإسلام بأهل بيت نبيه كما أنقذها من الكفر بنبيه ...
اللهم حقق لها ما وعدتها بظهور الإمام المهدي ... يا رب ...

وأخيراً ، بعد أن مضت علينا مدة من الإستقرار على في أحضان هداية الله السميع
العليم ، إلى نور النبي وأهل بيته المكرمين ، وذقنا لذة الإسلام المصفى من بصمات
غيرهم ، فقد استقر رأي الإخوة على أن ننتج برنامجاً يعرض للمسلمين أفكار الخليفة
عمر بن الخطاب ، ليطلعوا عليها ويميزوها عما جاء به النبي من عند ربه ، ويختاروا
طريقهم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ، أو بين عمر بن الخطاب
وأهل بيته ....
            والله حسبنا ونعم الوكيل ... نعم المولى ونعم النصير
                  ممدوح